العالم العربي

رايتس ووتش: “جرائم ميليشيا العراق الشيعية ضد السنة قوّت داعش

ايلاف
2/11/2014

د أسامة مهدي

اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش الدولية ميليشا شيعية عراقية مدعومة من قبل الحکومة بمهاجمة مسجد للسنة شمال شرق بغداد و”ارتکاب مذبحة” ضد المصلين، وقالت إن هذه الجرائم خلقت جاذبية لتنظيم داعش في المناطق السنية واکدت ضلوع مليشيات “عصائب أهل الحق” وألوية بدر وکتائب حزب الله بعمليات اعدام ميداني واختطاف في محافظات بغداد وديالی وبابل.

قالت منظمة هيومان رايتس ووتش الدولية المعنية بحقوق الانسان في تقرير لها اليوم الاحد، واطلعت “إيلاف” علی نصه، إن “المذبحة” التي ارتکبت في المسجد السني قد تمت علی أيدي “مليشيات عراقية” موالية للحکومة وکذلک لقوات الأمن التي تعرف افرادها المعتدين بأسمائهم .. وطالبت الحکومة العراقية بالاسراع في نشر أية تحقيقات تجريها في الهجوم علی مسجد مصعب بن عمير يوم 22 آب (أغسطس) الماضي، والذي تسبب في مقتل 34 شخصاً وتقديم المسؤولين عنه إلی العدالة.

أقوال الشهود

واشارت المنظمة الی انه بحسب أقوال خمسة شهود، وبينهم أحد الناجين من الهجوم، فقد قام مسلحون، بعضهم بثياب مدنية وآخرون بزي الشرطة، بمهاجمة المسجد عند الظهر في قرية إمام ويس في حمرين بمحافظة ديالی، علی بعد 50 کيلومترًا إلی الشمال الشرقي من مدينة بعقوبة، عاصمة المحافظة. وأطلق المعتدون النار فأردوا 32 رجلاً، وسيدة واحدة، وصبياً واحداً في السابعة عشرة، وکانوا جميعاً بحسب أقوال الشهود من المدنيين الذين يؤدون صلاة الجمعة عند مقتلهم، بأسلحة آلية من طراز “بي کيه” و”إيه کيه 47″ روسية الصنع، کما قال الشهود الذين اجمعوا علی أنهم تعرفوا علی المعتدين، وکانوا يعرفونهم بالاسم.
وقال جو ستورک، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش، “إن المليشيات الموالية للحکومة تزداد جرأة وتتزايد جرائمهم فظاعة، وقد اشترکت السلطات العراقية وحلفاء العراق علی السواء في تجاهل هذا الهجوم المروع، وبعد ذلک يتساءلون لماذا اکتسب تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد تلک الجاذبية وسط التجمعات السنية”.

الشهود طلبوا حجب هوياتهم خوفاً

ونقلت المنظمة عن الشهود، الذين طلبوا جميعًا حجب هوياتهم حماية لهم، إن إطلاق النار بدأ في نحو الساعة 12:10 ظهراً، فيما کان الإمام يلقي خطبة الجمعة. وقال أحد الناجين، وکان داخل المسجد السني إنه شاهد رجلاً يدخل وهو يرتدي قميص “تيشيرت” داکن الخضرة، وسروالاً وعصابة الرأس التي عادة ما يرتديها أفراد المليشيات المنتسبة إلی عصائب أهل الحق، الموالية للحکومة وکان يحمل سلاحاً آليًا من طراز “بي کيه”.
وقال الشاهد “صاح الرجل ’لا تتحرکوا، وإياکم والمغادرة!‘. ثم وجه طلقته الأولی إلی الشيخ الإمام، وواصل إطلاق النار علی بقيتنا. وحين سمعت الطلقات النارية سقطت أرضاً”.. ثم واصل المسلح إطلاق النيران العشوائية، کما قال الشاهد. “کان الناس علی الأرض يصرخون ويبکون، صائحين: ’الله أکبر، لا إله إلا الله!‘”.
ودخل ثلاثة من الشهود المسجد بعد تلک الهجمة الأولی، وقالوا إنهم شاهدوا ثمانية مسلحين يغادرون المسجد وحين دخلوا، رأوا نحو 10 أشخاص يبدو أنهم فارقوا الحياة بالفعل، ونحو 30 آخرين جرحی. وقال أحدهم “ما شاهدته کان شيئاً لا يوصف، غير إنساني .. کان معظم الأشخاص مصابين ولم يفارقوا الحياة، يصيحون لطلب الماء والمساعدة في إصاباتهم. شاهدت رجلاً وقد تطاير النصف الأيسر من رأسه تماماً”.
وقال اثنان من الشهود إنهم بدأوا في حمل الجرحی إلی الحديقة التي أمام المسجد حين سمعوا المزيد من الطلقات، بعد حوالي 10 دقائق، فيما کانت مجموعة من 20-30 مسلحاً تتجه نحو المسجد. ففر الشهود تارکين الجرحی خلفهم. وأکد شاهد آخر کان يراقب الاحداث من منزله علی بعد 100 متر هذه الرواية.
وأجمع الشهود علی أنهم سمعوا صرخات بعد ذلک، والمزيد من الطلقات النارية واستمرت الجولة الثانية من الطلقات لمدة 15 دقيقة تقريباً بحسب قولهم.
وابلغ الشهود لـمنظمة هيومن رايتس ووتش أن القتلی الـ34 جميعاً، عدا واحد، من عشيرة بني ويس السنية في ديالی. ولم يعرف أي من الشهود سبباً للهجوم، لکن أحدهم قال إنه يعتقد أنه جاء انتقاماً لهجوم بقنبلة بدائية في توقيت أسبق من نفس اليوم، وقع علی بعد 20 کيلومتراً إلی الشمال من قرية إمام ويس، وقتل فيه خمسة من أفراد المليشيات. وقال الشهود جميعاً إنه لم يکن هناک قتال في قرية إمام ويس أو حولها في توقيت الهجوم.

القوات الامنية لم تستجب لنداءات الاستغاثة

واضاف الشهود أن هناک نقطة تفتيش تابعة للجيش علی بعد 200 متر من المسجد، ونقطة تفتيش تابعة للشرطة علی بعد 150 متراً منه، لکن قوات الأمن لم تستجب للهجوم رغم بث أصوات الطلقات من مکبر الصوت الخاص بالمسجد، وإمکانية سماعها من مسافة لا تقل عن 600 متر حيث سمع أحد الشهود أصوات الطلقات من منزله.
وقال اثنان من الشهود إنهما اتصلا لطلب مساعدة الجيش ولطلب عربة إسعاف، لکن لا هذه ولا تلک وصلتا إلا بعد مرور ساعة. وقالا إنه في نحو الواحدة والنصف ظهراً، وصل جنود من اللواء الخامس بفرقة الجيش رقم 20، في عربة إسعاف عسکرية وشاحنة بضائع، نقلت الموتی إلی مشرحة مستشفی المقدادية علی بعد 15 کيلومترًا.
وقال الناجي إنه کان ضمن 6 أشخاص نجوا من إطلاق النيران، واوضح إن ابن عمه التمس العلاج في المستشفی المحلي لکنه غادره بعد أن حذره الأطباء من أن أفراد المليشيات يتجهون إلی المستشفی لقتل الناجين الذين يلتمسون العلاج هناک.
واشارت هيومن رايتس ووتش الی أنها راجعت السجلات الطبية لابن العم، المؤرخة 22 آب، والتي أشارت إلی احتياجه إلی عملية جراحية وتجميلية جراء رصاصة استقرت بذراعه اليمنی، وسحقت العظم وتسببت في خراج.
واضاف الشهود وثلاثة آخرون من السکان إن التوترات الطائفية تصاعدت في البلدة بعد استيلاء متشددي التنظيم المعروف بالدولة الإسلامية (أو داعش سابقاً) علی مدينة الموصل في 10 حزيران. وبينما کانت المليشيات، الشيعية في معظمها، متواجدة هناک بالفعل وتعمل مع قوات الأمن، فإن المليشيات استحوذت علی مهام الجيش والشرطة کما قال الشهود والسکان. ويسکن إمام ويس نحو 500 عائلة، منها 300 عائلة سنية و200 عائلة شيعية، کما قال السکان.

توضيحات وزارة الداخلية

وفي 22 تشرين الأول، (أکتوبر) الماضي، وفي رد علی التماس هيومن رايتس ووتش الحصول علی معلومات بشأن الهجوم، قال العميد سعد معن، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية إن وزارة الداخلية کانت قد شکلت “لجنة تحقيق” للنظر في الهجوم، وقررت اللجنة بدورها أن ثلاثة من المشتبه بهم نفذوا عمليات القتل. ولم يکن معن علی علم بما إذا کان القضاء حدد موعداً لجلسات محاکمتهم.
واوضح معن أن عمليات القتل جاءت ردًا علی انفجار قنبلة بدائية الصنع تسبب في مقتل عدد من المقاتلين المتطوعين الذين کانوا متوجهين إلی إمام ويس في الساعات الأولی من صباح 22 آب. وقال معن، “سمعنا أن عددًا من أقاربهم، اثنين أو ثلاثة، ذهبوا إلی المسجد وکانوا يحملون بنادق إيه کيه وفتحوا النار علی المصلين، فقتلوهم جميعًا، وهو ما کان رد فعل انتقاميًا طبيعيًا وعفويًا”. کما قال معن إنها “کانت عملية انتقامية لمن فقدوهم”. لکنّ أيًا من أقارب الضحايا لم يعرف من الذين حملتهم لجنة التحقيق المسؤولية عن الجريمة أو التهم الموجهة إليهم أو ما إذا کانت ستجري محاکمة علنية.

دعوة دول العالم للتوقف عن دعم العراق عسکرياً أو تزويده بأسلحة

واکدت هيومان رايتس ووتش أن هجوم 22 آب يتفق مع نمط الاعتداءات التي وثقتها، ومنها عمليات خطف وإعدام ميداني، بأيدي المليشيات الشيعية : عصائب أهل الحق وألوية بدر وکتائب حزب الله، في محافظات بغداد وديالی وبابل.
ودعت الحکومات الأجنبية الی التوقف عن تزويد العراق بالدعم والمساعدات العسکرية حتی تضمن الحکومة إنهاء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية واسعة النطاق هذه، بما في ذلک ضمان محاسبة المسؤولين عنها. واشارت الی أن الولايات المتحدة قامت بإرسال معونات عسکرية إلی العراق، وبدأت في آب في توجيه ضربات جوية إلی أهداف تتبع تنظيم الدولة الإسلامية في حين استولت المليشيات علی بعض المناطق التي أجرت فيها الولايات المتحدة ضرباتها الجوية، بحسب أقوال لسکان المناطق.
واضافت المنظمة انه في أيلول الماضي شاهدت إحدی باحثات هيومن رايتس ووتش قافلة مکونة من 10-12 سيارة محملة بأفراد المليشيات وتحمل أسلحة ثقيلة وبنادق “إم-16” حديثة الصنع في بغداد. وقد صوب أفراد المليشيات أسلحتهم نحو السيارات المارة لحملها علی الانتحاء جانباً حتی يمروا، واخترقوا نقطة تفتيش للشرطة الاتحادية دون أن يستوقفهم أحد.

الحرب ضد داعش لا يجب أن تتحول للانتقام من المدنيين


وقال جو ستورک “لا يجوز لحلفاء العراق الدوليين أن يسمحوا بأن تتحول الحرب علی متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية المسيء إلی صک علی بياض لحلفاء الحکومة العراقية، يطلق لهم العنان لقتل المدنيين الذين يتصادف أنهم من السنة من دون وازع”.
ومن جهتهم، اکد الشهود أن سلطات البحث الجنائي رفضت في البداية إصدار شهادات وفاة لبعض أقاربهم القتلی.. وقال أحد الشهود “کانوا في البداية يرفضون الکشف عن عدد القتلی الإجمالي”.
وقد راجعت هيومن رايتس ووتش شهادات الوفاة الـ34، وکانت الأسماء والأعمار تتفق مع أسماء الضحايا الذين ذکرهم الشهود، وقد ورد فيها جميعاً أن تاريخ الوفاة هو 22 آب، وسبب الوفاة “طلقات نارية”، لکن 28 منها صدرت في 23 آب و6 في 27 آب.
قال الشهود والناجون، الذين ظلوا في إمام ويس، إنهم يخشون علی حياتهم لکن ليس لهم مکان آخر يلتجئون إليه. وقالوا إن رعد الدحلقي، نائب البرلمان، ومعه اثنان من ممثلي وزارة الداخلية، حضروا إلی إمام ويس في الأيام التالية للهجوم بغرض التحقيق، لکنهم رفضوا إطلاع أقارب الضحايا علی النتائج، قائلين إن التحقيق سري. وقد رفع الشهود الأربعة وأقارب الضحايا دعوی قضائية علی الـ20-30 رجلاً الذين شاهدوهم ينفذون الهجوم، لکن لم يتم تحديد موعد لجلسات المحاکمة، بحسب قولهم.

زر الذهاب إلى الأعلى