مقالات

هل الحسين للشيعة فقط؟

ايلاف
29/10/2014

بقلم: صالح السيد باقر

تمر علينا بعد أيام وبالتحديد في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام الذکری السنوية لاستشهاد الامام الحسين، وتتلخص الأسباب الظاهرية لمقتل الامام الحسين في مدينة کربلاء بجملة واحدة، هي انه رفض مبايعة يزيد بن معاوية لأنه لم يکن مؤهلا لقيادة الأمة.
وقد صرح الامام عليه السلام بهذه الاسباب عندما جاءه والي المدينة المنورة الوليد بن عتبة وطلب منه مبايعة يزيد فقال: “أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائکة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله”.
الانسان يميل الی الاستبداد والاستئثار والاستعلاء خاصة عندما يشعر بأنه قوي، وهذه الحقيقة يؤکدها ربنا عزوجل عندما يقول في کتابه الکريم: “ان الانسان ليطغی ان رآه استغنی” فتبعات هذا الميول ستکون مدمرة علی صعيده الشخصي عندما يکون انسانا عاديا، بينما ستکون مساحة الدمار أوسع عندما يکون هذا الانسان الطاغي مسؤولا.
وبما أنه يصعب ضمان بقاء العدالة في الانسان المسؤول لذلک اکتشف العقل البشري المعاصر کوابح لمثل هؤلاء الناس عندما يصلون الی سدة الحکم، من بين هذه الکوابح الدستور، وأيضا حرية الاعلام وکذلک التعددية الحزبية، وليس هذا وحسب بل دُعمت هذه الکوابح بمؤسسات رقابية وتنفيذية تتمتع بصلاحيات حقيقية.
واذا نفذت الحکومات هذه الکوابح بشکل حقيقي وليس صوري وسمحت للجان والمؤسسات الرقابية باستخدام صلاحياتها حتی لو کانت ضدها عندها ستختفي الأخطاء والثغرات والفساد في المجتمعات.
أغلب الدول الغربية تجاوزت محنة فساد المسؤولين في بلدانها عبر ادراج منظومة کاملة من القوانين والتشريعات في الدستور تؤدي احدی نتائجها الی تداول السلطة، بينما أغلب مجتمعاتنا الاسلامية لا تزال تعاني من هذه العقدة علی الرغم من اننا نؤمن أکثر من غيرنا ان رب العالمين توعد الفاسدين بنار مهولة، وخسران في الدنيا والآخرة، ومع ذلک فهناک من المسؤولين في الدول الاسلامية من يوغل في الفساد وکأنه غير معني بخطاب رب العالمين.
المشکلة هي أن أغلب الحکومات الاسلامية تحيط نفسها بهالة قدسية لا يستطيع أحد الاقتراب منها، فلا نعاني من التشريعات الجميلة ولا من دستور يصلح لبناء مجتمع يتمتع بکل ما هو فاضل ولکن کل القوانين تتجمد وتتبخر عندما تصطدم بقلعة المسؤول، وهناک حکومات تعتقد ان کل ما تقوم به صح لذلک لا حاجة لوجود صحافة حرة لأنها لن تجد أخطاء لتنتقدها وتفضحها وبالتالي تفضح المسؤولين عنها، وکذلک لا حاجة لوجود الاحزاب المعارضة لأنها تثير الفوضی والاخلال بالأمن ولا هم لها سوی الوصول للسلطة، وبالتالي لا حاجة الی تداول السلطة لأن المجتمع لن يجد أفضل منها.
الامام الحسين کسر هذه الهالة المقدسة المصطنعة عندما رفض البيعة ليزيد وبذلک رسم نهجا جديدا في العالم الاسلامي ومنح شرعية مطلقة للمعارضة التي تنتفض ضد الفساد والطغيان.
ووفقا للنظرية الشيعية للحکم التي لا تمنح الشرعية لأي حکم وحاکم مع وجود الامام المعصوم، فان التاريخ ينقل لنا ان اشخاصا اعترضوا علی حکم الامام علي بل تلفظوا بألفاظ سيئة ضده ورغم ذلک فانه رفض معاقبتهم، بينما تصدی بقوة وحزم للمعارضة المسلحة، مما يؤسس لقاعدة سياسية في غاية الأهمية وهي ان المعارضة ضد الحکم مشروعة ما لم تحمل السلاح.
تتصور بعض الحکومات ان وجود المعارضة ينهي سلطتها ولذلک فانها تسعی الی القضاء علی المعارضة بأي شکل من الاشکال، غير أنه ليس بالضرورة وجود المعارضة سينهي السلطة بل ربما اقتنع الشعب بعدالة ونزاهة وادارة شخص ما فينتخبه عدة مرات، کما ان الاستبداد سيؤدي يوما الی الانفجار وتنتهي حياة الحکومة بشکل مأساوي.
من هنا فان الامام الحسين وضع الأسس الأولی لمبدأ حضاري في الحکم وهو حرية الاعتراض، ومع أننا لا نريد اختصار دوره في هذا المجال بل نعتقد ان دوره أعظم بکثير من ذلک، ولکن لو أخذت البلدان الاسلامية هذا الجانب من دوره لتجاوزت الکثير من المشاکل.
هناک من يعيب علی الشيعة انهم لا يجيدون سوی اللطم والبکاء والنحيب علی الامام الحسين والحقيقة ان اقامة العزاء تظاهرة سلمية احتجاجا علی مقتله وفي نفس الوقت دعوة الی تشريع عملية الاعتراض علی الفساد والاخطاء السائدة في البلاد، مما يعني أن دعوة الامام الحسين الی عملية الاصلاح والتغيير لا تقتصر علی الشيعة وحسب وانما کل البلدان والمجتمعات بحاجة ماسة اليها لکي تزول کل الأخطاء والثغرات والمشاکل عنها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى