مقابلات

الهاشمي: العراق قنبلة موقوتة قال إن العرب لم يدعموا سنة بلاده

العراق للجميع
مصدر الجزيرة
10/11/2012


 


طارق الهاشمي: أنا في مرحلة مراجعات واسعة لمرحلة سياسية فاشلة
قال إن العرب لم يدعموا سنة بلاده
الهاشمي: العراق قنبلة موقوتة
بإمکان الدول العربية والخليجية أن تقدم يد العون والمساعدة في مجالات الإغاثة والمصالحة الوطنية وضبط الحدود ومساعدتنا في التخلص من براثن الوجود الإيراني



حاوره في جدة: ياسر باعامر


صنفته الدوائر الدبلوماسية الأميرکية بأنه “الرجل السياسي العنيد” في التفاوض مع العراقيين، ويقول عن نفسه “لا أخوض معرکتي فقط.. بل أخوض معرکتنا جميعاً في بغداد العروبة”.
رسائل سياسية مباشرة عديدة أرسلها نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي في حواره مع الجزيرة نت من مدينة جدة السعودية تحت لافتة “من يهمه الأمر”، مشددا علی ضرورة التحرک العربي لصناعة مشروع ينقذ العراق من أخطر “مأزق” يتعرض له طوال تاريخه السياسي.
الهاشمي -الذي أکد أن حکم الإعدام الغيابي الذي أصدره رئيس الوزراء العراقي نوري المالکي باسم القضاء العراقي “ابتزاز سياسي”- لم يخف بين حدة نظراته وکلامه المبطن “إحباطاً” من الموقف العربي الذي قال عنه “لو يعلم نوري المالکي أدنی معرفة أن العرب سيقفون معي لم يفعل فعلته الحمقاء”، متوقعاً ربيعاً عراقياً “قريباً” لأن الأجواء مهيأة لذلک، وفيما يلي نص الحوار:
بعد إصدار القضاء العراقي حکماً غيابياً بحقکم بالإعدام، هل وجدتم تحرکاً عربياً فاعلاً في وجه السلطات العراقية؟
بصراحة تامة سمعت وعوداً وحديثاً طيباً، لکني للأسف لم أجد دعماً عربياً فاعلاً حتی الآن.
أشعر حقيقة بأن الهاشمي تُرک ليواجه قدره وحده، والعالم أجمع يعرف جيداً لماذا دفع الهاشمي هذا الثمن. باختصار لأني رجل عروبي ومخلص لبلدي، ولذلک لا مکان لي في العملية السياسية.
هناک حقيقة أخری يجب أن تُوضح للرأي العام، وهي أنه لو کان لنوري المالکي أدنی معرفة بأن الهاشمي سيجد دعماً عربياً فيما لو تعرض إلی أذی لما تجرأ أن يرتکب هذه الحماقة. لکنه يعلم أن الهاشمي لن يقف معه أحد. ثم أتساءل: هل يستطيع المالکي أن ينفذ اليوم أوامر ضبط عسکرية بحق “الزعامات الشيعية” رغم صدور تلک الأوامر؟ أقول لا يستطيع أن يفعل ذلک، لأن طهران ستقف له بالمرصاد.
مجلة فورين بوليسي الأميرکية الأولی ذکرت في أکتوبر/تشرين الأول الماضي أن “واشنطن سلمت العراق لإيران علی طبق من ذهب”، کيف تنظرون لهذا الطرح؟
بصراحة لو کنت أملک دليلاً ووثائق لقدمتها للصحافة فوراً، لکن مع ذلک لدي کل المؤشرات من خلال وجودي في العملية السياسية منذ 2004، مما يؤکد أن هناک “اتفاقاً ضمنياً” بين الولايات المتحدة الأميرکية وإيران في توسيع نفوذ الأخيرة بالعراق. وما أقرأه سياسياً أن ذلک “النفوذ” جری برعاية ومبارکة أميرکية.
ما هي رؤيتکم السياسية لتخفيف “الهيمنة الإيرانية” في العراق؟

الهاشمي:
بإمکان الدول العربية والخليجية أن تقدم يد العون والمساعدة في مجالات الإغاثة والمصالحة الوطنية وضبط الحدود ومساعدتنا في التخلص من براثن الوجود الإيراني

العراق يمر بمنعطف خطير، وشتی الاحتمالات المتعلقة بمستقبله أصبحت واردة، والذي تحقق خلال سنوات “الهيمنة الإيرانية” علی مفاصل الدولة العراقية وإشاعة التمييز الطائفي والظلم والفساد الکبيرين يجعل مهمة الإصلاح ليست سهلة علی الإطلاق، لذا العقبة الأساسية أمام المشروع السياسي الإصلاحي يرتکز علی شخصية سياسية غير رئيس الوزراء الحالي نوري المالکي، لأنه أصبح مکونا رئيسيا من المشکلة وليس الحل.
إذن وجود هذا الرجل في هذا المنصب الحساس يعوق طريق الإصلاح السياسي بالعراق، وبعد ذلک نحن بحاجة لسنوات من العمل المضني والجاد لتفعيل ذلک الإصلاح، مع الاتفاق علی “عقد وطني” يمثل شراکة حقيقية يضع جميع العراقيين أمام رؤية وطنية دون تمييز طائفي أو محاباة لطرف دون آخر.
نحن بحاجة إلی تغيير حقيقي بمن يحکم، وبحاجة إلی رزنامة من الإصلاحات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي علاقتنا مع دول الجوار العربي، ومعالجة مسألة العنف، ومکافحة الفساد، والتعصب الطائفي.
الوصول إلی مشروع “الإصلاح الشامل” للعراق يحتاج إلی دعم إقليمي، هل هناک تفاهمات أجريتموها مع “الأتراک والخليجيين” بشأن دعکم؟
الإجابة علی هذا السؤال تمر عبر تقسيمه لجزءين، الجزء الأول، أنا کمواطن عراقي ثم کنائب لرئيس الجمهورية لا أنتظر الدعم من الخارج، فأمر الإصلاح ينبغي أن يتولاه العراقيون بأنفسهم.
الجزء الثاني هو أن دول الجوار تعي هذه المسألة وتدرک حدود مسؤولياتها في دعم الشعب العراقي، ولکن عندما أقول إن مهمة العراقيين ليست سهلة وبأمس الحاجة إلی دعم إخوانهم العرب والمسلمين، فلأن التحديات التي تواجهنا في الداخل “کبيرة” وتتجاوز إمکانياتنا ولا يعني ذلک دعوة لتدخل الغير في شؤونا الداخلية.
إذا لم يکن الدعم مباشراً کدعم إيران، فماذا يمکن أن يقدموا تحديداً؟
بإمکان الدول العربية والخليجية أن تقدم يد العون والمساعدة في مجالات الإغاثة والمصالحة الوطنية وضبط الحدود، ومساعدتنا في التخلص من براثن الوجود الإيراني، هذه القضايا تتعلق بالشأنين الإقليمي والدولي، وهذه تتجاوز إمکانياتنا، فالأميرکان خلفوا عراقاً ضعيفاً، وفقيراً، وفاقداً للسيطرة، وهيمنة إيرانية علی مفاصل دولتنا.
إذا لم نستطع توقيف آثار النفوذ الإيراني، فإن ذلک سينعکس سلبياً علی المنطقة ککل ودول الخليج علی وجه الخصوص.
هناک مسؤولية کبيرة علی الدول العربية أن تعوض “الکسل” خلال فترة الاحتلال الأميرکي للعراق، کانت هناک ذريعة عدم قدرتهم علی التدخل بفعل الضغوط الأميرکية عليهم، لکن اليوم الأمر مختلف تماماً، وأقولها بالفم الملآن نحتاج إليکم أيها العرب لمساعدة شعب العراق في أن يتجاوز هذه الظروف الصعبة.
هل أوصلتم هذه الرسائل بوضوح للقيادات السياسية العربية والترکية؟

الهاشمي:
العراق وصل إلی مفترق طرق، ودول الجوار تعي ذلک جيداً وتشعر بخطورة المستقبل العراقي

نحن نتحاور مع الجميع بشأن ذلک، وبخاصة الأتراک الذين يبدون قلقاً کبيراً من حالة الانقسام المفزع في الحالة السياسية العراقية نتيجة الأخطاء الکارثية التي ارتکبها المالکي وقصر نظره والإدارة السيئة للعلاقات الثنائية بين بغداد ودول الجوار بالإضافة إلی فشله الذريع في معالجة الملف الأمني.
العراق وصل إلی مفترق طرق، ودول الجوار تعي ذلک جيداً وتشعر بخطورة المستقبل العراقي.
لماذا مکثتم في ترکيا بدلاً من إحدی الدول العربية؟
کنت أتمنی من الدول العربية أن تقوم ولا تقعد حتی يعود الهاشمي إلی وضعه السياسي الطبيعي، ليکمل مهمته في العراق، الحقيقة لم يتصل بي أحد ليعرض علي مساعدته لي.
لماذا يتهم المالکي ترکيا بتدخلها في شؤون العراق الداخلية؟
ترکيا لم تتدخل في شؤون العراق الداخلية، هي قالت إنها تريد تقريب وجهات النظر بين الفرق والمکونات السياسية، والأتراک يعون تماماً “المأزق السياسي” الذي يمر به العراق، فالمالکي بسياسته الطائفية عطل حراک الدولة بشکل تام.
ثم إن ترکيا ليس لها مصلحة في استمرار ذلک المأزق، وهي مع ذلک “شريک إستراتيجي” مع العراق من خلال 58 اتفاقية، ولديها الکثير لتقدمه لمساعدة الشعب العراقي، لکن السؤال المطروح: هل يلقی موقفها ذلک صدی طيبا لدی حکومة المالکي؟ الإجابة بالطبع هي لا.
هل وجدتم مشروعا عربيا متکاملا يخرج العراق من أزمته؟
لا، لا، لا.
رغم “لاءاتکم الثلاث” هل تتصورون أن العرب قادرون علی إخراج العراق من أزمته؟
نعم قادرون، إذا حمَوْا ظهورنا في السياسة والإعلام والدعم الإغاثي، وکان ذلک بشکل متکامل، حينها ستتغير کفة التوازن في العراق الحالي لصالح المشروع العربي.
في 2005، قاتلتم لإلغاء مادة تقسيم العراق إلی فدراليات في الدستور، هل ما زلتم علی رؤيتکم السابقة؟
نعم قاتلت من أجل إلغاء هذه المادة، لکن اليوم أنا مع تطبيقها، والذي دفعني لذلک ظلم المالکي وفساده، وليس أمامنا خيار آخر لإنقاذ بلدنا وشعبنا إلا الفدرالية للتخلص من سطوة القوات المسلحة في بغداد، وبالتالي لن تتعرض ميزانية الأقاليم للنهب کما تنهب اليوم من حکومة نوري المالکي.
لماذا لم تؤسسوا مليشيات مسلحة سنية تحمي مشروعکم السياسي کما تفعل القوی العراقية الشيعية علی سبيل المثال والقوی السياسية الأخری؟
أنا رجل سلام، ولا يعني ذلک أن أي مشروع سياسي ليس بحاجة إلی غطاء قوة، نعم هو بحاجة إلی ذلک، لکن بدلاً من تفاقم الوضع الأمني في العراق بقوة عسکرية جديدة، لنعمل علی تفکيک القوی غير النظامية الموجودة حالياً، لنوجد شخصا في القيادة العامة للقوات المسلحة “غير طائفي”، لنعمل علی تفکيک المشاکل، لا صناعة مشاکل جديدة، هکذا أری حل مشاکل العراق.
ولکن نظريتکم جلبت لکم نقداً لاذعاً في الوسط السني.
أنت تعلم أن المقاومة کانت مقاومة عربية سنية، وکنت أحترم هذه الرؤية لکني لم أکن طرفاً فيها، وکنت أنبه إلی مؤشر مهم وهو أن الاحتلال الأميرکي احتلال مؤقت، وکنت أقول إننا سنواجهه احتلالاً أکثر أذی وتغلغلاً من جانب إيران، وکنت أراقب هذه المسألة.
وقلت أخشی في نهاية المطاف أن الذي سيقطف کل هذه التضحيات الجمة هو “غيرکم وليس أنتم”، وهذا ما حصل، لماذا لا ننتقد أنفسنا، ونعترف أن العمل الجهادي الذي وجه صوب الأميرکان لم يتحسب للنفوذ الإيراني المتنامي الذي جری بطريقة منهجية ومؤسسية منذ عام 2003، ولم تکن الأنظار حينها موجهة للاحتلال الإيراني.
ما رأيکم في التحليل الذي يقول إن الخلل الکبير لحالة عدم التوزان في العراق يعود لانعدام “الدعم العسکري” للوسط السني من العرب؟

الهاشمي:
يوجد في العراق 40 قناة فضائية تمولها إيران، ناهيک عن الصحف والمجلات ومواقع إلکترونية ومؤسسات إغاثية، لا يوجد فريق سياسي شيعي إلا ولديه وسائله الإعلامية الکبيرة التي تعبر عن رؤاه بشکل واضح
” عندما نقول دعما عسکريا يعني ذلک أننا نخطط إلی حرب أهلية، ونحن لسنا بحاجة إلی ذلک، باستطاعتي اليوم تشخيص الوضع العراقي والنفوذ الإيراني، ولکن لنحاول حل کل الأزمات من خلال العملية السياسية، الخلل الکبير الذي حصل في السنوات السابقة ليس فقط الدعم العسکري، لکن ماذا عن الدعم السياسي والإعلامي؟
اليوم يوجد في العراق 40 قناة فضائية تمولها إيران، ناهيک عن الصحف والمجلات ومواقع إلکترونية ومؤسسات إغاثية، لا يوجد فريق سياسي شيعي إلا ولديه وسائله الإعلامية الکبيرة التي تعبر عن رؤاه بشکل واضح.
هل يمکننا القول إن ما وصلتم إليه شخصياً في هذه المرحلة من الأداء السياسي نتيجة اجتهادات خاطئة طوال سنواتکم السابقة؟
ربما أنت علی حق، اليوم أنا في مرحلة مراجعات واسعة لمرحلة سياسية فاشلة بالنسبة لي. لکني جئت إلی العمل السياسي “مکره أخاک لا بطل”، وحتی منصبي بالدولة أجبرت علی تقلده، لکن الخيارات التي کانت مطروحة أمامنا صعبة للغاية، وکنت أتمنی أن تصل المآلات في بلدي إلی غير ما وصلت إليه. ولکن هناک حقيقة يجب أن يعرفها الجميع أنه “لم يقدم لنا الدعم السياسي من قبل أشقائنا العرب”.
هل يمکن أن نشهد “ربيعاً عراقياً” في وقت قريب؟
الأجواء مهيأة حقيقة لحصول ذلک، مع وجود ملايين من المحبطين وانعدام تام للخدمات الحياتية الضرورية، ولکنهم يخشون إرهاب المالکي. اليوم أجد العراق قنبلة موقوتة، لذلک التغيير في سوريا سيکون ملهماً للعراقيين، وعلی هذا الأساس أحث التحالف الوطني الشيعي -والمالکي جزء منه- علی سرعة إجراء تعديلاته السياسية ويختار شخصية جديدة غير طائفية کنوري المالکي للخروج من هذا المأزق الذي لم يشهده العراق طوال تاريخه.
فإذا لم يحصل التغير سياسيا، سيحصل بقوة المجتمع العراقي، لذلک المالکي يتحسب للمسألة السورية عبر دعمه اللامحدود لنظام الأسد.
هل تعتقدون أن صفقة الأسلحة التي تمت مؤخراً بين العراق وروسيا تمت بضوء أخضر أميرکي لتغيير الموقف الروسي من الملف السوري؟
بکل تأکيد تغيير الموقف الروسي قد يتم بأموال عربية، والأمر الذي دعاني لتأکيد هذه الرؤية هو التحول الفجائي لحکومة المالکي من حصر مشتريات الأسلحة في الولايات المتحدة الأميرکية إلی التحول شرقاً صوب موسکو، ولم تکن هذه الصفقة لتتم لولا مبارکة واشنطن لها.
هل تحدثتم بشکل رسمي “بحکم موقعکم” مع الأميرکان بشأن الصفقة؟
لا، لم أجلس معهم بشکل رسمي، ولکن من خلال اتصالات غير مباشرة مع مسؤولين أميرکيين في واشنطن، أوضحوا لي من خلف الأبواب المغلقة أن مبارکة واشنطن هي الموقف الرسمي من هذه الصفقة.


 

زر الذهاب إلى الأعلى