مقابلات

د.طيب تيزيني: التدخل الأجنبي أصبح ضرورة لإنقاذ الشعب السوري


الوطن الکويتية
24/2/2012

 

حمص کلها محاصرة والمشهد فيها أصبح مأساوياً ودموياً

أربعة من أسرتي معتقلون والخامس من المحتمل أن يقتل

ما قاله وليد المعلم عن أن الحل العسکري مطلب جماهيري افتراء وخطيئة کبری

کان من الضروري أن يتنحی الرئيس السوري ويعتذر للشعب لکن بعد أن سال الدم أنهاراً لم يعد هذا مقبولا

الدستور الجديد لا قيمة له لأن النظام وضعه علی وقع آلته القاتلة

الأوضاع في سورية تجاوزت مبادرة الجامعة العربية التي ماطلت وتلکأت في التوصل إلی الحل الصحيح

خطوة سحب السفراء مؤلمة لکنها تدل علی حکمة وعقلانية إخواننا في مصر والخليج

الوطن يضيع وسورية مستباحة تماما من قبل عصابات السلطة التي تستخدم کل أنواع الأسلحة

وصلنا إلی مرحلة اللاعودة لکنني ما زلت آمل أن يتخذ النظام خطوات جريئة وحاسمة

الذي يقتل السوريين الآن هو نظام الرئيس الأسد.. وما يفعله الآخرون هو محاولة لاتقاء الرصاص والقتل

 

 

في تطور دراماتيکي مناقض لمشروعه الفکري القائم علی رفض الهيمنة الغربية والأجنبية أو أي تدخل علی کل الأصعدة، دعا فيلسوف سورية الدکتور طيب تيزيني إلی تدخل أجنبي إنساني فوري لإنقاذ الشعب السوري من المذبحة التي يتعرض لها علی يد نظام الرئيس بشار الأسد.
وقال طيب تيزيني في حوار عبر الهاتف مع «الوطن» من العاصمة السورية دمشق حيث يقضي 3 أيام فيها وبقية الأسبوع في حمص، أن حمص تقصف بکل أنواع الأسلحة، وأن المشهد فيها مأساوي ودموي، وأن 4 من أفراد أسرته معتقلون والخامس من المحتمل أن يکون قد قتل.
وحذر د.طيب تيزيني الذي اختير من قبل المؤسسة الفلسفية الألمانية واحدا من مائة فيلسوف في العالم للقرن العشرين، من أن سورية أصبحت مستباحة تماما من قبل قوی النظام «وأن الوطن يضيع».
وأشار إلی أن الدستور الجديد وضعته السلطة ولم يشارک فيه أحد وبالتالي فهو لا يعني شيئا.
وأکد أن الأوضاع في سورية تجاوزت مبادرة الجامعة العربية لأن النظام قرر أن الثأر من السوريين هو وسيلته للإصلاح، وفيما يلي نص الحوار:
* هل تسکن أحد الأحياء المنکوبة في حمص؟
– د.طيب تيزيني: نستطيع القول إن حمص برمتها منکوبة، لکن إذا خصصنا فهناک عدة أحياء هي الأکثر نکبة والتي تدفع ثمنا غاليا مثل بابا عمرو وباب الدريب والخالدية والبياضة والانشاءات وغيرها من الأحياء.
* بشکل محدد: کيف تصف المشهد في حمص الآن؟
– المشهد في حمص دموي تماما ومؤلم. وبالمناسبة فإن أربعة أبناء لابنة أختي اعتقلوا والخامس کان محتملا أن يُقتل، إنها مأساة بکل المقاييس، ولا بد من إيقاف العنف وآلة القتل بکل وبأي ثمن، ونطالب النظام بذلک فورا لأن هذا العنف لن يخدم أحداً إلا أعداء سورية وبالتالي فأية خطوات إصلاحية لا يمکن مناقشتها إلا بعد إنجاز هذه الخطوة الحازمة وهو إيقاف القتل.

عنف من؟

* تقصد ما يرتکبه النظام من عنف أم من قِبل ما يسميه الإعلام السوري بالجماعات الإرهابية؟
– أقصد عنف النظام أولا فأي شيء يحدث يُحدث معه رد فعل، وبالتالي الآن صارت هناک ساحات متعددة، لکن أول من أسس لهذا القتل والعنف للأسف هو النظام الذي أطلق الرصاصة الأولی والتي لم تکن ضرورية أبداً، لأن مطالب الناس شرعية تماما بعد 40 عاما من غياب أي إصلاح شامل حقيقي، کان الأمر منذ البداية قابلا للاستجابة العامة العقلانية والديموقراطية لکنهم تعاملوا مع الإصلاح علی أنه «ثأر» من الناس وليس فضيلة من الفضائل، فمنذ سقوط بغداد وأنا أنادي وأصرخ: «ابدأوا أنتم بفتح الدائرة قبل أن يفتحها الأغيار من الخارج»، ولم يتسن لأحد أن يدقق في هذا الأمر، لهذا تسارعت الأمور وصار الناس يبحثون عن منفذ بسيط لحياتهم وهي العمل والکرامة والحرية، ومن هنا أتت هذه المصائب التي نعيشها.

موقفي من النظام

* ماذا عن موقفک أنت الآن من النظام، ومن ثم موقف النظام منک؟
– موقفي صرحت به منذ أول يوم حين عقد مشروع حوار وطني تحت رعاية النظام الحاکم، وقلت لن نتحاور أو نتحدث قبل تحقق ثلاثة أمور: إيقاف العنف، ورفض أي مشروع طائفي، والبدء في إطلاق المسجونين السياسيين بصورة قاطعة، وحتی الآن لم يتحقق أي شيء من ذلک وهذا مؤسف ومؤلم ويستدعي مصائب جديدة.

تتفکک

* يتحدث کثيرون عن أن سورية تتفکک الآن فما رأيک؟
– والله لقد أصبح البلد مستباحاً، إنه شيء مأساوي، البلد مستباح تماما من عصابات النظام في سورية ومن القوی الرسمية، فالآخرون صاروا يشارکون بعد أن فقدوا القدرة علی الوقوف في وجه الرصاص.

دستور ولکن

* هناک دستور جديد في سورية طرحه النظام فما رأيک فيه؟
– کان رأيي منذ البداية واثناء اللقاء الحواري مع النظام الذي شارکت فيه مع قوی اخری، هو التأسيس لمؤتمر وطني يشترک في تأسيسه وتکوينه وتحديد موضوعاته کل الاطراف الوطنية.
وهذا التأسيس کان عليه ان يحدد کل الاولويات بداية من مؤتمر قومي موسع، ثم اجراء انتخابات ديموقراطية تشريعية ورئاسية، لکن لم يحدث اي شيء من هذا کله. فالدستور وضع من جانب طرف هو النظام، وکان عليهم ان يدرکوا ان اي شراکة مع اطراف متعددة مشروطة بأن تشترک کل الاطياف في انجازها من الالف الی الياء.
نحن فوجئنا امامنا بنسخة من دستور جديد قد تکون فيه جوانب ايجابية جيدة ومرحب بها، لکنه لم يأت في السياق المطلوب.
کما ان هذا الدستور فيه جوانب ضعيفة مرفوضة کأن يظل الرئيس يحکم لمدتين هما 14 سنة، وکذا کان لابد من البدء بانتخابات وطنية کي نؤسس لمؤتمر وطني يضع الدستور لکن السلطة وضعت الدستور وطالبت السوريين بإبداء الرأي فيه، لقد وضعوا الدستور والقتال والقتل والقصف دائر في شوارع حمص وغيرها ولذا فان هذا الدستور لا يعني شيئا، وهو حبر علی ورق.

مبادرة عربية

* کيف تقيِّم موقف الجامعة العربية ومبادرتها لحل الازمة السورية؟
– يمکن الحديث عن تحرک الجامعة العربية بلغة ايجابية، لکن ارجاء وتأجيل والمماطلة في الحلول وطرحها دفعة واحدة، جعل اطروحات الجامعة غير محتملة وليست مقبولة، فالاوضاع في سورية وکذلک المرحلة الحالية تجاوزت هذا الطرح تماما. فالسلطة التي تقصف حمص والمدن السورية الاخری تعوق التفکير ولو للحظة فيما يمکن ان يحدث الآن في سورية. ان النظام باتخاذ هذا الطريق وابتعاده عن الحل الديموقراطي قد جلب علی سورية خطوات مأساوية.

التدخل الأجنبي

* انت ترفض اي تدخل اجنبي في سورية في حين ان الکثير من الناشطين السوريين يؤکدون ان التدخل الاجنبي والعسکري اصبح مطلبا شعبيا فما رأيک؟
– معروف ان الثورة السورية منذ اندلاعها وهي تؤکد سلميتها، والسلمية هنا ان يقوم حوار ضمني بين فئات الشعب السوري حول المستقبل، ولکن ذلک لم يحدث. الطريق الصحيح غاب والآن يغيب والضباب يسود تماما.
وثمة من يحاول «تضليل» کل شيء علی طاولة انجاز حل يرضي الجميع من الشعب. وعلی هذا الاساس کان مناسبا ان يضحي الرئيس (بشار الاسد) بان يتنحی عن السلطة ويقدم اعتذارا الی الشعب، وبهذا سيترک مکانه معززا. لکن بعد الذي حدث اصبح الموقف معقدا جدا، لان الدم سال مديدا في شوارع مجموعة من المدن السورية.
ومن هنا فإن التدخل العسکري اصبح حلا يفکر الکثيرون به. فالرئيس والنظام يقولون: «الا التدخل العسکري»، والآن لاحظ ان السلاح يعمل في الشعب السوري بقوة، وثمة انماط متعددة من السلاح تقتل وتهدم وتبيد، ولذلک نجد انفسنا مضطرين الی قبول تدخل اجنبي – ليس عسکريا – وانما ذو نمط انساني ودبلوماسي بصورة خاصة.
فالمساعدات الانسانية اصبحت ضرورة قصوی لانقاذ الشعب السوري. فهناک غياب شبه کامل للمواد الاساسية التي يحتاجها المواطن. والتدخل الاجنبي اصبح مطلبا ملحا ليجيب «الآخر» عما يحتاجه البيت والشارع السوريين. فسورية وقعت علی عدد من الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان والمساعدات الدولية ومن ثم فهي دعوة في المقام الاول لوقف العنف وتخفيف الوطأة علی الشعب. ويمکن بعد ذلک التأسيس علی عملية بناء جديدة لا تقوم علی الثأر وإنما علی العدالة.

قصف حقيقي

* ما نراه من قصف بالاسلحة الثقيلة کالدبابات والمدافع والمروحيات لحمص وبقية المدن حقيقي؟
– نعم حقيقي. وقد رأيت بام عيني الدبابات والمدافع والرشاشات والمروحيات تقصف المدن والاحياء عشوائيا، وانا اعيش في مکان يعاني ذلک القصف. وکنت اتمنی الا يصل النظام الی هذه اللحظة الدموية ولکنهم اختاروا اسالة الدماء.

حل أمني

* وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال بأن الحل الامني مطلب شعبي؟
– انا اعيش في سورية ولم اسمع شخصا واحدا يطالب بذلک، هذه خطيئة کبری. فالحل العسکري نقمة علی الجميع ونحن نريد الوطن الذي يعيش ازمة حقيقية.

سحب السفراء

* دول الخليج ومصر سحبت سفراءها من سورية وطردت سفراء النظام فکيف تقيم هذه الخطوة؟
– منذ البداية وانا احاول التخفيف من وطأة مايحدث في سورية، لکن هناک اطرافا اکتشفت انها لا تسمح بذلک. وهذه الاطراف تسيء إساءة بالغة الی سورية لانها تلح علی الحل العسکري الامني وکان من الممکن ان نتوصل الی حل حقيقي لو کانت هناک رؤية سياسية لدی النظام فيها بعض العقلانية والايمان بالديموقراطية.
وخطوة سحب السفراء مؤلمة لکن لم يکن هناک حل آخر. فموقف الاخوة في الخليج والشقيقة مصر عقلاني، وقدم النصائح هنا وهناک الا انه لم يـأخذ النظام بشيء من ذلک انني ادعو الاطراف العاقلة في النظام ان تتمسک بالحکمة وحب الوطن ولايظن احد في سورية ايا کان موقعه انه قادر علی تحقيق حل عسکري، فهذا يعني المزيد من الدماء.

اللا عودة

* الا تعقد ان الاوضاع في سورية وصلت الی مرحلة اللاعودة مع النظام الحالي؟
– هذا صحيح. ولکن علی الرغم من ذلک اذا ما اتخذ النظام خطوات حاسمة وجريئة وشجاعة وذات اهمية کاطلاق السجناء السياسيين فورا، وايقاف العنف بشکل حقيقي دون الالتفاف عليه، وتکون لجنة جديدة تقوم بالتأسيس لما يأتي خطوة خطوة، اذا ماحدث ذلک فثمة امل عندئذ يلوح في الافق .

المجلس الوطني

* ما رأيک في الدعوة الی الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب السوري؟
– هذه خطوة کأنها «تعجيزية» فالسوريون يقولون کفی عنفا ولا نريد ان نقود الامور الی اکثر من ذلک وبالتالي فان ما سيتلو خطوة الاعتراف بالمجلس الوطني سيشکل اسفا لانني اری فيه الی حد ما قدرا من التدخل الخارجي وکنت اتمنی علی الحکماء في النظام وما أقلهم – ان ينتبهوا الی ان ايقاف العنف هو الطريق الی منع التدخل الخارجي وللاسف لم يستمع احد الی ذلک.

تعزيز للثورة

* الا تعتقد ان الاعتراف بالمجلس الوطني السوري الآن تعزيز للثورة السورية حيث اصبح هناک من يمثلها؟
– بالتأکيد اذا سارت الامور علی النحو الذي نراه من قتل وقصف، سوف يفضي الامر الی هذه الخطوة ومع ذلک فانني ادعو النظام الی التوقف عن العنف، والقيام باجراءات شجاعة حقيقية فاعلة يشترک فيها کل الاطراف الوطنية.. واذا ما قام النظام بذلک فلن نقول اتی متأخرا، فخير ان يأتي هذا الحل خير من ألا يأتي أبدا.

العاصمة تنتفض

* انت تقضي نصف وقتک في دمشق، فهل انتفضت العاصمة بالفعل ضد النظام؟
– حينما تتمادی في العنف فان ردود الافعال ستستمر وهناک من توغل في هذا الطريق وبالتالي فاننا سنلاحظ ان هناک حالات جديدة من التظاهرات والاحتجاجات في دمشق وبقية المناطق الاخری العاصمة انتفضت وکنت اتمنی علی من هم في رأس السلطة ان يدرکوا ان المسألة محکومة بقانونية نبحثها في الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسيکولوجية، وبالتالي فإن لم يتدارکوا مايحدث ويجيبوا اجابات مفيدة للجميع وللوطن فانها سوف تتحول الی کرة ثلجية تتعاظم ويکون الوطن قد ضاع.
* هل يتصل بک احد من العقلاء في السلطة بسورية؟
– احيانا هناک اتصالات علی مستويات جيدة واتمنی ان يسفر ذلک عن اي شيء .

زر الذهاب إلى الأعلى