أخبار إيران

يا ليل الکوابيس متی تنجلي عن نهارات طهران
صافي الياسري

يا ليل الکوابيس متی تنجلي عن نهارات طهران


صافي الياسري 
   
((حين يصفد اليوم وينتحر الغد وتعم الظلمه.. علی الامل ان تشرق شموسه)) من رام وصل الشمس حاک خيوطها سببا الی آماله وتعلقاً اي درک اسفل الجحيم ستحط خميني هذه الرسالة اليه؟؟
يقرأ الباريسيون والعالم کله هذه الايام مروعين باسی لا يماثله اسی رسالة السجين الايراني سعيد ماسوري التي نشرها علی الانترنيت في موقع ناشطون من اجل حقوق الانسان، تحدث فيها عن معاناته ومشاهداته في السجون الايرانية التي فاقت مشاهد رعب سجون شفيتز النازية وعنوان الرسالة (مراسيم دفن الاحياء).. انها الرسالة التي فاقت في ذاکرة الفرنسيين رسائل ادباء المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية بل فاقت اية رسالة او کلمة ارسلها سجين ينقل مشاهداته وفاقت کما اری کل صفحات کتاب ادب السجون في العالم بدقة تصويرها والتقاطها التي يعجز عنها اکبر الکتاب الروائيين .. الکثير من الذين قرأوا معي الرسالة الشهادة الادانة بکوا وبعضهم قالوا اي درک في الجحيم ستحط خميني هذه الرسالة اليه؟؟ وبعضهم قال .. اواه .. اهذا هو اسلام طهران؟؟ سعيد ماسوري من اعماق غياهب سجن کوهر دشت الرهيب الذي سبق لي ان کتبت شهادات النساء الايرانيات حول معاناتهن فيه يقول:
التطلع إلی الحياة أو في الأقل التطلع إلی الغد هو الدافع الرئيس للإنسان في قضاء اليوم. وقد لا يثير هذا الموضوع انتباهًا أو اهتمامًا يذکر، ولکن تصوروا ما هو الموقف حين لا يکون هناک غد ولا تنتظرک إلا أطنان من التراب لتدفن تحتها؟؟، ما الذي يتبقی من معانی الإنسانية والأخلاق والصحة والعافية وتناول الطعام وأمثال ذلک بالنسبة لک؟
ولماذا نتعامل تعاملاً إنسانيًا؟ لماذا لا تستخدم ولا تتعاطی أسوأ أنواع المخدرات .. لتنسی .. ولا تشعر في الاقل؟ ولماذا يجب أن تفکر في معنی الحياة أو تجد تعليقًا وتفسيرًا لها؟
إذا کان فتی بالغا من العمر ما بين 17 و18 عامًا أو 20 عامًا يجب عليه أن يعد نفسه مذنبًا ومجرمًا مستحقًا للإعدام بحکم القانون .. ويحتمل أنه لا يعرف شيئًا من علم الأخلاق الکانتي يلجأ إليک للدردشة وتهدئة باله بقدر أو آخر، ماذا ستقول له لتهدئة باله بالله عليک ؟؟؟ ويا تری ما معنی أصلاً تهدئة بال هکذا شخص وما فائدة القول اصلا ؟ هل ينبغي ان نقول له إن عملية الإعدام شنقًا أو رجمًا لا تستغرق إلا بضع دقائق فلا تحزن!؟ أو ينبغي لک أن تکون له قسًا لتجعل إعدامه وشنقه أداة لتطهيره من ذنوبه ليطمئن بذلک قلبه؟
حقًا عندما يضع فتی حکم عليه بالإعدام رأسه علی کتفک ويجهش بالبکاء ..ماذا ستهمس في أذنه لتهدئته وهو مراهق لم يذق بعد طعم الحياة بکاملها بل يعتبرها خالية تمامًا من الأمل کونه لا ينتظر منذ أمد طويل إلا موعد شنقه وخنقه بحبل المشنقة أو دفنه في حفرة الرجم؟
يا أبناء البشر…! قولوا لي کيف أساعد شابًا أو فتیً علی الصعود إلی المشنقة أو النزول إلی حفرة الرجم کي لا يصاب بالذعر والخوف؟ ليس هذا من نسيج الخيال أو حلمًا أو أضغاثًا أو کابوسًا وإنما واقع الحال الذي نعيشه نحن هنا يوميًا حيث يوجد عشرات من هؤلاء الفتيان والشبان نعايشهم يوميًا ونحن لا نعرف لماذا وکيف هم باقون علی قيد الحياة في کل غد ولا يقدمون علی الانتحار ليتخلصوا من هذا الجحيم؟!
حاليًا تصوروا کيف أُضفِي لهذه العقوبة الوحشية طابع قانوني ورُتّبَت لها مراحل ومعاملات إدارية وروتينية! أي أنه وبعد أن يتم إصدار الحکم بالإعدام شنقًا أو رجمًا علی شخص ما في دهاليز الظلام الرهيبة هذه فعليه أولاً أن يوقّع ورقة الحکم الصادر عليه بالإعدام وبعد أسابيع يتم نقله إلی دائرة تنفيذ الأحکام لإبطال بطاقة هويته (سجله للأحوال المدنية) بعد ذلک يعتبر المحکوم عليه ميتًا بموجب القانون في هذا النظام! کونه قد شهد ووقّع بتوقيعه أو بصمته علی أنه ميّت وليس حيًّا! بعد أن يضغط بإصبعه المرتجفة خوفًا علی ورقة إبطال هويته کإنسان حي! ثم يعيدونه إلی القفص ليعاود الوقوف في طابور منتظري الإعدام شنقًا ليصل دوره للانتقال إلی المشنقة…!
أجل، إنهم أحياء ولکن أموات محتجزون في السجن..! يبدأ جحيمهم في هذا العالم من وجهة نظر سجّانيهم…! تصوروا حال أب وأم يتعين عليهما أن يجلبا ورقة هوية ابنهما الفتی أو الشاب ليسلموها إلی دائرة تنفيذ الأحکام ليبطلوها قبل إعدام ابنهما، تصوروا شعورهم… هل لوحظت حقوقهما في الحياة أيضًا!!
ليس ما أکتبه مبالغًا فيه إطلاقًا وليس کابوسًا. ليس هنا حتی الجحيم ولا عالم الآخرة! بل هنا هذه الدنيا! ولکن دنيا السجن، سجن «رجائي شهر» (کوهردشت) أي آخر الدنيا أو نهايتها. عندما کانوا يدخلونني في السجن قال لي حارس باب السجن: عالمک الان ليس شبيهًا بالجحيم أو مثيلاً له بل هنا الجحيم نفسه!! حيث العذاب والأذی والتعذيب يبدأ من هنا والناس يُقتلون بموت بطيء قبل إعدامهم شنقًا أو رجمًا.
إن القانون يهدف بالضرورة إلی تنظيم العلاقات بين أبناء البشر ولکن في هکذا علاقات أية جهة يمکن القول عنها انها إنسانية ؟ هل أنا الذي أکتب هذه السطور؟ أم الذين يقرأونها أو يسمعونها؟ أم الذين يُعدَمون؟ أم الذين يصدرون الأحکام أو يسنّون هکذا قوانين؟؟؟ يبدو أن هذا طلسم من الخوف يخيم علی المرء ککابوس حتی عند التفکير فيه. تری کيف تتجسد حقوق الإنسان في ما يتعلق بهکذا أناس أحياء أموات؟! هنا في هذا السجن (سجن «رجائي شهر» أو «کوهر دشت» – غربي طهران) يوجد ما يقارب 400 أو أکثر سجين محکوم عليه بالإعدام نصفهم يعتبرون أمواتًا بحکم مراسيم الدفن المذکورة (أي المراحل أو المعاملات الإدارية والروتينية) حيث تم إبطال أوراق هويتهم أي ماتوا رسميًا وقانونيًا! إذًا فإنه وفي ظل هذا النظام ليس الحديث عن حقوق المواطنة ورأي المحامي وإطالة التحقيق والمحاکمة وأي حق آخر من الحقوق الإنسانية ليس إلا مزاحًا غير مضحک وإنما مأساوي وشرّ البلية ما يضحک!
سعيد ماسوري
أيلول (سبتمبر) 2010 – سجن «رجائي شهر» (کوهر دشت)
نسيت القول ان سعيد ماسوري واحد ممن ينطبق عليهم القول (مات ولم يمت) .. اسئلة ماسوري هذه هي فلسفة الحقيقة وفلسفة القانون وفلسفة الظلم وفلسفة البحث عن الانسانية والعدالة والحرية.. وأود ان اغني رسالته هذه بنتف مما ورد في کتابي المعنون المرأة الايرانية والبحث عن سواحل الحرية الذي اصدرته بالعربية في اذارعام 2005 ، وهو تسجيل شخصي لشهادات سجينات ايرانيات فزن بارواحهن حين غادرن ايران لکنهن خرجن کيانات محطمة جسديا فالنظام الايراني يری في الانسان اعدی اعدائه اذا مارس انسانيته بالاعتراض او الرفض او المناقشة ، وافضل وسيلة کما يظن للانتصار عليه هي کسر ارادته وحين يفشل يحطم جسده والحصول علی شهادات نسوية في الحقيقة اصعب بکثير من الحصول علی شهادات الرجال وقد ثبت لي ان ما عانته المرأة في السجون والمعتقلات الخمينية اشد هولا مما عاناه الرجل وبما لايقاس .
تحت عنوان (انهم يقتلون الامهات) کتبت نقلا عن سجناء وسجينات ايرانيات کيف تعدم الانسانية في التعامل مع المراة وکيف تمسخ امام اطفالها وما ابشع ما سمعت ..فهنا يروي احد السجناء ويدعی محمد هوشياري (احتفظ بعنوانه) انه عرف عن سجينة في سجن شيراز کانت تدعی شاهناز داوودي وقد اعتقلت مع طفلتيها وتم تعذيبها دون رحمة وبطرق لا يعرفها حتی الشيطان وکانت حاملاً وکان التعذيب يجري امام طفلتيها وبعد انتهاء حفلة التعذيب وعودة الجميع الی الزنزانة تمثل الطفلتان دورين متناقضين، فاحداهما تمثل دور الجلاد والاخری دور الضحية فتضرب الکبيرة الصغيرة وهي تصرخ (بکو) بمعنی تکلمي …فتجيبها الصغيرة (نميکويم) اي لن اتکلم .. وشاهناز کانت معلمة قران رفضت تحريفات خميني فاعدمت وهي حامل عام 1982؟؟ بربکم عن اي جانب اتحدث من هذه القصة التي لا املک تعليقا علی احداثها واترک لکم تخيل هاتين الطفلتين ببرائتهما تمثلان مسرحية القتل تلک ذلک الکابوس الاسود المکلکل علی نهارات بله ليلها ايران.

باريس – 

 

زر الذهاب إلى الأعلى