أخبار إيران

أشرف.. قصة صمود (5من6)

أشرف.. قصة صمود

(5من6)


سماء مظلمة مغبرة بأحجار وطلقات


محمد إقبال*

 

جاء في بيت من قصيدة للشاعر الإيراني الشهير شمس الدين حافظ الشيرازي:
قصة الحب ليست اکثر من قصة واحدة لکنها
هي غير مکررة.. من أي باب اسمعها
کما وکنت قد قرأت في حديث قدسي شريف: ”من عشقني عشقته ومن عشقته فقد قتلته ومن قتلته فعلي ديته ومن علي ديته فأنا ديته”
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الوحشية والهمجية ورذيلة العملاء الذين هاجموا أشرف مقر أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في محافظة ديالی العراقية في مثل هذه الأيام من السنة الماضية وبأمر من الولي الفقيه في إيران. ونحاول في هذه الحلقة أن نستعرض النقطة المقابلة لهذه الاعمال الهمجية أي قطرة من بحر مشاهد تضحيات مجاهدي أشرف نقلا عنهم أو تقاريرهم المباشرة من المشاهد.
يقول ‘کرامت’: ”عندما کنا نقوم بنقل جرحی الذين کانت جراحهم شديدة بحيث کان يجب أن يصلوا إلی الطبيب الجراح فورا، کان يقول کل واحد منهم أن الجريح الآخر هو أوجب”.. ويحکي محمد: ”أن ‘مهرداد رضا زادة’ قد أصاب وجهه بالحجارة ولکنني ولکوني جريحا لم أکن أتمکن من التحرک، جاء بجانبي، وقمت بتنظيف محل اصابته بالحجارة في خده اليسار علی وجهه وقال بعد دقائق أذهب لمساعدة الشباب، قلت أن جراحک تنزف بعد، ولکنه لم يبالي وذهب.. سمعت لاحقا أنه استشهد”. ويقول ‘بهنام’: ”إن درجة الحرارة في الظل کانت تصل إلی أکثر من 50درجة مئوية وکان الأخوة مصابون بضربة شمس ولم يکن لديهم الرمق وأصيبت شفاه وأفواه الشباب بالجفاف. وکان ‘أصغر يعقوب بور’ يقوم بايصال الماء للأشخاص الذين کانوا يتعرضون لهجوم المهاجمين. وقام احد المجرمين باطلاق رشقة إطلاقات نارية عليه من مسافة قريبة حيث أصابت جوارحه ويديه ورجليه وبطنه ونهض بالماء فورا غير مکترثٍ بجراحه. واستشهد أصغر ساقي العطشی في ساحة أبی فيها المعتدين الا ان يکونوا عبيدا في أدنی من درکهم وأبی مجاهدي خلق إلا أن يکونوا أحرارا صامدين واستشهد ‘أصغر يعقوب بور’ بعد أيام إثر الجراح نفسها التي أصيب بها”.
و عليٌ (65 عاما) شاهدٌ حيٌ آخر في ساحة العدوان والصمود تلک وقد ذهب الی بجانب  ‘نعمت’ ليمنع عنه الضربات القاتلة التي کانت تنزل عليه من قبل أحد المهاجمين بشيء خشبي ضخم لا يمکن تسميه بعصی او هراوة وهي تهوي علی رأس ‘نعمت’ وأصيب في رأسه وعينه بنفس القضيب الخشبي وغاب عن الوعي .
وکان المهاجمون وفي اللحظات الأولی يقومون ب”رجم” الأشرفيين (سکان اشرف) بأحجار کبيرة حيث أدت إلی اصابة بالغة للمقيمين وتلطخهم بالدم. ثم جاء إمداد بشفل مليء  بالأحجار في مجرفته وفرغها أمام الشرطة المهاجمة وعاودوا  ”الرجم” بالأحجار بحيث کان الفضاء من فوقهم مظلما مغبرا من الحجارة التي کانوا يقذفونها وليتهم قذفوها علی عدو  وقذفوها علی أبرياء عزل لا يضمرون الا کل خير للعراق.
کانت المشاهد تزداد رعبا ومأساوية شيئا فشيئا وتهتز الأبدان  والقلوب الحية في کل لحظة تمر. وکانت رؤوس ووجوه ومظاهر وملابس اغلبية عناصر مجاهدي خلق الموجودين في المکان ملطخة بالدماء وايدهم وارجلهم مصابة بجروح والبعض مضمدة.. وقليلا ما کنت تتمکن أن تری شخصا لا يکون وجهه أو رأسه أو نقطة أخری من جوارحه غير مصابة أو غير ملطخة بالدماء ولکن هؤلاء الأبطال قد عقدوا العزم علی عدم ترک الصمود وإخلاء المشهد.
وجميع الذين کانوا في تلک المشاهد يقولون أن دور نساء اشرف الشجعان کان رائعا في دفاعهن عن إخوانهن. وفي غير هذه الحالة کانت الخسائر کثيرة جدا. وفي حالات عدة جعلت نساء اشرف من نفسهن درعا يجدن به لکي لا يتمکن المتجاوزون المتوحشون ضرب إخوانهم بالهراوات. ومن جانب آخر کانت تضحيات مجاهدي أشرف وعدم انتباههم للألم والضغط الناشئ عن الضربات واستمرارهم بالاحتجاج علی هذه الأعمال الوحشية ..کانت بارزة تلفت نظر أي مراقب وتثير الأسی والإعجاب في نفس الوقت.
وعاد ‘مهرداد’ بعد أن جرح وتم نقله إلی المستوصف، عاد وکان رأسه مضمدا بشکل کامل إلی المکان الذي لا نعرف ماذا نسميه اهو ساحة معرکة وليست بالمعرکة ساحة تمرد لم يتمردوا علی احد ..رد هجوم لم يهاجموا احد بل هم تعرضوا الی هجوم وهم آمنين في مکانهم من موقع العرف والدين والاخلاق والقوانين الدولية ..سأسميها ساحة الغزو والجريمة ..المهم أنه عاد لمساعدة اخوانه. عاد ‘ابوالفضل’ أيضا هو الآخر ليستمر بمساعدة اخوانه بعد أن نقل إلی المرکز الطبي بسبب فقدان وعيه بسبب الانهيال عليه بالضرب عندما حاول الدفاع عن إحدی الأخوات حيث کانت سيارة تابعة للشرطة تعتزم دهسها وقام المعتدون بسحبه علی الأرض بشکل وحشي ضاربين اياه بهذا العامود الخشبي ساسميه عامودا خشبيا لانه لا يمکن ان يکون هراوة ابدا ولا عصی. وهنا تقدم مجاهد أخر اسمه محمد واوقع نفسه علی ‘ابوالفضل’ لکي يمنع عنه الاصابة بهذه الضربات وفي الوقت نفسه انقاذه من مخالب الوحوش.
و‘أکبر’ الذي اصيب بکسر في رأسه عاد مجددا وکسروا رأسه مرة أخری. وتقدم أحد المعتدين  قائلا ل ‘منصور’: ”اذا لا ترجع أرمي إليک برشاشتي” فقال له ‘منصور’ ضاربا بيده علی صدره قائلا: ”إرمي هنا.. بماذا تخوفنا”.
وفي حالة أخری قامت آلية مدرعة تابعة للمهاجمين المعتدين بدهس أحد عناصرهم بالخطأ، وکان اعضاء مجاهدي خلق هم الذين ذهبوا لمساعدة هذا العراقي المهاجم، وانقذوه من أن يتم دهسه مرة ثانية من قبل المدرعة التي کانت تدهس الجميع بشکل وحشي.
کانت الساعة الثامنة مساء الثلاثاء 28من يوليو 2009 والجو يميل نحو الظلام، وفجأة صدرت طلقات نارية من قبل المهاجمين المعتدين. ودخلت خمسة هامفيات (همرات) مدرعة لونها أسود يرافقها شفل کان علی متنه مسلحين برشاشة بي.کي.سي وبدءوا باطلاق الطلقات النارية معا لاصابة الاشخاص، وکان بجانب عجلة اسقاء أحد المسلحين وقد جلس علی رکبه ويقوم بقنص الأشخاص بشکل مباشر بالقناصة لاصابتهم. واستشهد أحد الأخوة في هذه النقطة إثر اصابته بطلقات نارية وجرحت أختين بطلقات هذا المجرم القناص. وفي ظلام الليل کانت تُسمع فقط صرخات الأشخاص: ”آخ.. أصبت..”..نعم انه صوتا يعبر عن الالم والحزن والحسرة التي تملئ القلوب علی اولئک المجرمين القتلة الذين يقتلون ويعبثون بشکل أعمی.. آخ أصبت صرخة الم تصدر عن حر تريد من يناصرها واقرب المناصرين هو الأخ والأخت والرفيق أخ والصديق أخ.. الا انها لم تکن صرخة انکسار فالأعزل الذي يصمد في معرکة يتلقی الموت دون غيره في مجزرة کان متوقعا حدوثها قبل سنين  ليس منکسرا . آه من الظلم وآخ علی الظلم.
وفي نهاية هذه الحلقة قد يکون مفيدا للقاری الکريم لنشير علی أن وحشية أخری من الممارسات الوحشية للمهاجمين المعتدين کانت تخريب الأماکن والسيارات التابعة للمقيمين في أشرف. وعلی سبيل المثال منذ دخول الوحشي علی المخيم کان المهاجمون يدخلون سيارات المقيمين ويسرقون کل ما ممکن تفکيکه للنهب .. وسننهي سلسلة من مقالات هذه في الحلقة القادمة باذن الله.
* خبير ستراتيجي إيراني
m.eghba2003@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى